معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٨

ونحو هذا من المعتقدات الباطلة ؛ ثم كان خدمة البيت يأكلونه. وحذفها فى الذاريات لتكررها قبله. ويحتمل أن تكون حثّا على الأكل ، أو تكون الهمزة للانكار دخلت على لا النافية.

(رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ (١)) ؛ أى سواكن. ومعناه لو أراد الله أن يسكن الرياح ، أو تهديد بإسكانه.

(رَهْواً (٢)) ؛ أى ساكنا على هيئته بالسريانية. وقيل : يابسا.

وروى أن موسى لما جاوز البحر أراد أن يضربه بعصاه فينطبق ، كما ضربه فانفلق ؛ فقال الله له : «اتركه كما هو ليدخله فرعون وقومه فيغرقوا»

. وقيل : معنى رهوا سهلا. وقيل : منفرجا.

وروى أن الله أوحى إلى البحر إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له ؛ فبات يضطرب من خوف الله وفرحا بخطابه ؛ وأنت يا عبد الله خاطبك بكلامه ، وأكرمك بأمره ولا تمتثل! بئس العبد ، ولنعم الرب! (رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣)) : الصحائف التى تخرج إلى بنى آدم يوم القيامة. والرّقّ فى اللغة : الصحيفة. وخصّصت فى العرف بما كان من جلد. والمنشور : خلاف المطوىّ.

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (٤)) : مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما. وقيل مشرقى الشمس والقمر ومغربيهما.

(روح وَرَيْحانٌ (٥)) : الروح الاستراحة ، وقيل الرحمة.

__________________

(١) الشورى : ٣٣

(٢) الدخان : ٢٤

(٣) الطور : ٣

(٤) الرحمن : ١٧

(٥) الواقعة : ٨٩

١٢١

وروى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ : (فَرَوْحٌ) ـ بضم الراء ، ومعناه الرحمة ، وقيل : الخلود ؛ أى بقاء الروح. وأما الريحان فقيل : إنه الرزق. وقيل : الاستراحة. وقيل : الطيب. وقيل : الريحان المعروف فى الدنيا يلقاه المؤمن فى الجنة. وفى قوله : روح وريحان ضرب من ضروب التجنيس.

(رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (١)) ؛ أى بيّنه وتمهّل فى قراءته بالمدّ وإشباع الحركات وبيان الحروف ، وذلك معين على التفكّر فى معانى [١٢٣ ا] القرآن ، بخلاف الهذّ (٢) الذى لا يفقه صاحبه ما يقول ، ولذا كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقطع فى قراءته حرفا حرفا ولا يمر بآية رحمة إلّا وقف وسأل ، ولا بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ ، وقام بآية من القرآن ليلة (٣) : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً وَطَعاماً ...) الآية ؛ وكان يصعق لبعض الآيات.

وقد أفرد الناس فى آداب تلاوته تواليف كالنّووى والغزالى وغيرهما ، وسنذكر منها الإشارة إلى بعضها : أخرج من حديث عبيدة المالكى (٤) مرفوعا وموقوفا : يأهل القرآن لا تتوسّدوا القرآن ، واتلوه حقّ تلاوته آناء الليل والنهار ، وأفشوه وتدبّروا ما فيه لعلكم تفلحون. وقد كان للسلف فى قدر القراءة عادات ؛ فأكثر ما ورد فى قراءة القرآن من كان يختم فى اليوم والليلة ثمان مرات ؛ أربعا فى الليل ، وأربعا فى النهار. ويليه من كان يختم فى اليوم والليلة أربعا ، ويليه ثلاثا ، ويليه ختمتين ، ويليه ختمة. ويلى ذلك من كان يختم فى ليلتين ،

__________________

(١) المزمل : ٤

(٢) فى الكشاف (٢ ـ ٤٩٨) : ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤدة ...

وألا يهذه هذا ولا يسرده سردا ، كما قال عمر : شر القراءة الهذرمة. والهذ : السرعة فى القراءة ، وكذلك الهذرمة

(٣) المزمل : ١٢

(٤) فى الإتقان : المكى

١٢٢

ويليه من كان يختم فى كل ثلاث ، وهو حسن. وكره جماعة الختم فى أقل من ذلك ، لما روى أبو داود والتّرمذي ـ وصحّحه ، من حديث عبد الله بن عمر ـ مرفوعا : لا يفقه من قرأ القرآن فى أقل من ثلاث.

ويليه من ختم فى أربع ، ثم فى خمس ، ثم فى ست ، ثم فى سبع ؛ وهذ أوسط الأمور وأحسنها ، وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم.

ويلى ذلك من ختم فى ثمان ، ثم فى عشرة ، ثم فى شهر ، ثم فى شهرين.

أخرج ابن أبى داود ، عن مكحول ، قال : كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرءون القرآن فى سبع. وبعضهم فى شهر. وبعضهم فى شهرين. وبعضهم فى أكثر من ذلك.

وقال أبو الليث ـ فى البستان : ينبغى للقارئ أن يختم فى السنة مرّتين إن لم يقدر على الزيادة.

وقد روى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة ، قال : من قرأ القرآن فى كل سنة مرّتين فقد أدّى حقّه ؛ لأن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرض على جبريل فى السنة التى قبض فيها مرتين.

وقال غيره : يكره تأخير ختمه أكثر من أربعين يوما بلا عذر.

وقال النووى فى الأذكار : المختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ؛ فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرأ ، وكذلك من كان مشغولا بنشر العلم ، أو فصل الحكومات ، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوات كماله. وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين

١٢٣

فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل أو الهذرمة (١) فى القراءة.

ونسيانه من أعظم الذنوب ، كما صحّ : عرضت علىّ ذنوب أمتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة القرآن أو آية أو تيها رجل فنسيها.

ويستحب الوضوء لقراءته. وإذا كان يقرأ فعرضت له ريح أمسك عن القراءة حتى يستتم خروجها. وكذلك إن كان يكتبه. ويطيّب فمه ما أمكنه ، ويجلس مستقبلا متخشّعا خائفا وجلا ، مطرقا رأسه حياء ممن هو يخاطبه.

ويتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم. وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة. ولا يحتاج إلى نيّة إلا إذا نذرها خارج الصلاة ؛ فلا بد من نيّة الفرض أو النّذر.

وقال فى شرح المهذب : واتفقوا على كراهة الإفراط فى الإسراع ، قالوا : وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزءين فى قدر ذلك الزمان بلا ترتيل.

وفى النشر : اختلف هل الأفضل الترتيل ، وقلة القراءة ، أو السرعة مع كثرتها؟ وأحسن بعض أئمتنا فقال : إنّ ثواب قراءة الترتيل أجلّ قدرا ، وثواب الكثرة أكثر عددا ؛ لأن بكل حرف عشر حسنات. ويستحبّ البكاء عند تلاوته ، والتباكى لمن لا يقدر عليه ، والحزن والخشوع ، قال تعالى (٢) : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ).

ويستحبّ تحسين الصّوت بالقراءة ، للحديث : «زيّنوا أصواتكم بالقرآن»

__________________

(١) الهذرمة : السرعة.

(٢) الإسراء : ١٠٩

١٢٤

وأما القراءة بالألحان المطربة بحيث [١٢٣ ب] ألا يفرط فى المدّ وفى إشباع الحركات حتى يتولّد من الفتحة ألف ، ومن الضمة واو ، ومن الكسرة ياء ، ويدغم فى غير موضع الإدغام ـ فلا بأس. وإن انتهى إلى هذا الحدّ فحرام يفسق به القارئ ، ويأثم به المستمع ؛ لأنه عدل به عن نهجه القويم.

ولا بأس باجتماع الجماعة فى القراءة ، ولا بإدارتها ؛ وهى أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها. وتستحبّ قراءته بالتفخيم ؛ لحديث الحاكم : نزل القرآن بالتفخيم.

قال الحليمى : ومعناه أن يقرأه على قراءة الرجال ، ولا يخضع الصوت فيه ككلام النساء. قال : ولا يدخل فى هذا كراهة الإمالة التى هى اختيار بعض القراء. وقد يجوز أن يكون نزل القرآن بالتفخيم ، فيرخص مع ذلك فى إمالة ما تحسن إمالته.

ووردت أحاديث باستحباب رفع الصوت بالقراءة ، وأحاديث تقتضى الإسرار وخفض الصوت. وقال بعضهم : يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها ؛ لأن المسرّ قد يملّ فيأنس بالجهر ، والجاهر قد يكلّ فيستريح بالإسرار.

والقراءة فى المصحف أفضل من القراءة من حفظه ؛ لأنه أبعد من الرياء ، وأجمع للفكر ، والنظر فيه عبادة مطلوبة.

قال النّووى : ولو قيل : إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيختار القراءة فيه لمن استوى خشوعه وتدبره فى حالتى القراءة فيه ومن الحفظ. ويختار القراءة من الحفظ لمن يكمل بذلك خشوعه ، ويزيد على خشوعه وتدبّره لو قرأ من المصحف ـ لكان هذا قولا حسنا.

١٢٥

وإذا ارتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذى انتهى إليه ، وسأل عنه غيره ، فينبغى أن يتأدب بما جاء عن ابن مسعود والنخعى وبشير بن أبى مسعود ، قالوا : إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت ، ولا يقول : كيف كذا وكذا؟ فإنه يلبّس عليه.

وقال مجاهد (١) : إذا شك القارئ فى حرف ؛ هل هو بالتاء أو بالياء فليقرأه بالياء ؛ فإن القرآن مذكّر. وإن شكّ فى حرف هل هو مهموز أو غير مهموز فليترك الهمز. وإن شكّ فى حرف هل يكون موصولا أو مقطوعا فليقرأه بالوصل. وإن شك فى حرف هل هو ممدود أو مقصور فليقرأه بالقصر. وإن شك فى حرف هل هو مفتوح أو مكسور فليقرأه بالفتح ؛ لأن الأول غير لحن فى بعض [المواضع](٢) ، والثانى لحن فى بعض المواضع.

ويكره قطع القراءة لمكالمة أحد. قال الحليمىّ : لأن كلام الله لا ينبغى أن يؤثر عليه كلام غيره. وأيّده البيهقى بما فى الصحيح : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه.

ويكره أيضا : الضحك ، والعبث ، والنظر إلى ما يلهى.

ولا تجوز قراءته بالعجميّة مطلقا ، سواء أحسن العربية أم لا ، فى الصلاة أم خارجها. وعن أبى حنيفة أنه يجوز مطلقا ، لكن فى شرح البردويّ أنّ أبا حنيفة رجع عن ذلك.

ووجه المنع أنه يذهب إعجازه المقصود منه. وعن القفّال من أصحابنا : أن القراءة بالفارسية لا تتصوّر. قيل له : فإذن لا يقدر أحد أن يفسّر القرآن.

__________________

(١) فى الاتقان : ابن مجاهد.

(٢) ليس فى ا ، وفى الإتقان : لأن الأول غير لحن فى موضع.

١٢٦

قال : ليس كذلك ؛ لأنّ هناك يجوز أن يأتى ببعض مراد الله ، ويعجز عن البعض. أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتى بجميع مراد الله ، لأنّ الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها ؛ وذلك غير ممكن ، بخلاف التفسير.

والأولى أن يقرأ على ترتيب المصحف ؛ لأنه (١) لحكمة فلا يتركها. فلو فرّق السور أو عكسها جاز ، وترك الأفضل.

وقال فى شرح المهذب : وأما قراءة السّور من آخرها إلى أولها فمتّفق على منعه ؛ لأنه يذهب ببعض نوع الإعجاز ، ويزيل حكمة الترتيب.

وأخرج الطبرانى بسند [١٢٤ ا] جيّد عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوسا. قال : ذلك منكوس القلب.

وأما خلط سورة بسورة فعن (٢) الحليمىّ : تركه من الآداب ، لما أخرجه أبو عبيد عن سعيد بن المسيّب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ ببلال وهو يقرأ القرآن من هذه السورة ومن هذه السورة ، فقال : ما هذا؟ قال : أخلط الطيب بالطيب. فقال : اقرأ القراءة على وجهها ، أو نحوها. مرسل صحيح.

وأخرج عن ابن مسعود ، قال : إذا ابتدأت فى سورة فأردت أن تتحوّل منها إلى غيرها فتحوّل إلى : قل هو الله أحد. فإذا ابتدأت فيها فلا تتحول منها حتى تختمها.

ونقل القاضى أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة.

__________________

(١) أى الترتيب.

(٢) فى الإتقان : فعد.

١٢٧

قال البيهقى : وأحسن ما يحتجّ به أن يقال : إنّ هذا التأليف لكتاب الله مأخوذ من جهة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخذه عن جبريل ، فالأولى بالقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول. وقد قال ابن سيرين : تأليف الله خير من تأليفكم.

قال الحليمي : ويستحبّ استيفاء كلّ حرف أثبته قارئ ليكون قد أتى على جميع ما هو قرآن. قال ابن الصلاح والنووى : إذا ابتدئ بقراءة أحد من القرّاء فينبغى ألّا يزال على تلك القراءة ما دام الكلام مرتبطا ، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخر. والأولى دوامه على هذا فى هذا المجلس.

وقال غيرهما بالمنع مطلقا ـ قال ابن الجزرى : والصواب أن يقال : إن كانت إحدى [القراءتين](١) مرتبة على الأخرى منع ذلك منع تحريم ، كمن يقرأ فتلقّى آدم من ربه كلمات. برفعهما أو بنصبهما ، أخذ رفع آدم من قراءة ابن كثير ، ورفع كلمات من قراءته ، ونحو ذلك مما لا يجوز فى العربية واللغة. وما لم يكن كذلك فرق فيه بين مقام الرواية وغيرها ، فإن كان على سبيل الرواية حرم أيضا ، لأنه كذب فى الرواية وتخليط. وإن كان على سبيل التلاوة جاز.

وأفضل القراءة ما كان فى الصلاة ثم الليل ثم نصفه الأخير ، وما بين المغرب والعشاء محبوبة لفراغ القلب من أشغال الدنيا. وأفضل النهار بعد الصبح. ولا تكره فى شىء من الأوقات.

وأفضل الذكر القرآن إلا فيما شرع فيه من الأذكار ، كأذكار الليل والنهار ، وعند الأكل والشرب ، ودخول المنزل والمسجد ، وغير ذلك.

__________________

(١) من ب.

١٢٨

وأما ما رواه ابن أبى داود عن معان (١) بن رفاعة ، عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر ، وقالوا : هو دراسة يهود ، فغير مقبول ، ولا أصل له.

ويختار من الأيام يوم عرفة ثم الجمعة ثم الاثنين والخميس ، ومن الأعشار العشر الأخير من رمضان ، والأول من ذى الحجة. ومن الشهور رمضان.

ويختار لابتدائه يوم الجمعة وليلتها. ولختمه يوم الخميس أو ليلته. والأفضل الختم أول النهار أو أوّل الليل ، لما رواه الدارمى بسند حسن عن سعد ابن أبى وقّاص ، قال : إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح ، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يمسى.

قال فى الإحياء : ويكون الختم أول النهار فى ركعتى الفجر ، وأول الليل فى ركعتى سنّة المغرب للوقت (٢) المبارك.

ويستحبّ الختم فى الشتاء أول الليل. وفى الصيف أول النهار.

ويستحبّ صوم يوم الختم وإحضار أهله وولده وأصدقائه ودعائه لهم لأنه مستجاب ، كما صح. وأخرج عن مجاهد ، قال : كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ، ويقولون عنده تنزل الرحمة.

ويستحب التكبير من الضحى إلى آخر القرآن. قال الحليمىّ : ونكتته التشبيه للقراءة بصوم رمضان إذا أكمل عدّته يكبّر ، فكذا هنا يكبّر إذا أكمل

__________________

(١) فى الاتقان : معاذ بن رفاعة.

(٢) فى الاتقان : وقال ابن المبارك.

١٢٩

عدّة السور. قال : وصفته أن يقف بعد كلّ سورة وقفة ويقول : الله أكبر ، وكذا قال سليم الرازى من أصحابنا فى تفسيره : يكبّر بين كل سورتين ، ولا يصل آخر السورة بالتكبير ، بل يفصل بينهما [١٢٤ ب] بسكتة. قال : ومن لا يكبّر من القرّاء حجّتهم أن فى ذلك ذريعة إلى الزيادة فى القرآن ، بأن يداوم عليه فيتوهّم أنه منه.

وإذا فرغ من الختمة يشرع فى أخرى لحديث الترمذى وغيره : أحبّ الأعمال إلى الله الحالّ المرتحل ، الذى يقرأ من أول القرآن إلى آخره ، كلما حل ارتحل.

ومنع الإمام أحمد تكرير سورة الإخلاص عند الختم ، لكن عمل الناس على خلافه. قال بعضهم : الحكمة فيه ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن ، فيحصل بذلك ختمة.

فإن قيل : فكان ينبغى أن يقرأ أربعا ، لتحصل ختمتان.

قلنا : المقصود أن يكون على يقين من حصول ختمة ، إمّا التى قرأها ، وإمّا التى حصل ثوابها بتكرير السورة.

قلت : وحاصل ذلك يرجع إلى جبر ما لعلّه حصل فى القراءة من خلل ، وكما قاس الحليمى التكبير عند الختم على التكبير عند إكمال رمضان ، فينبغى أن يقاس تكريره سورة الإخلاص على إتباع رمضان بستّ من شوال.

ويكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسّب بها ، للحديث : من قرأ القرآن فليسأل الله ، فإنه سيأتى قوم يقرءون القرآن يسألون الناس به.

وروى البخارى فى تاريخه الكبير بسند صالح حديث : من قرأ القرآن عند ظالم ليرفع منه لعن بكل حرف عشر لعنات.

١٣٠

ويكره أن يقول نسيت آية كذا ، بل أنسيتها ، للحديث الصحيح فى النهى عن ذلك.

والأئمة الثلاثة على وصول ثواب القراءة للميّت. ومذهبنا خلافه ، للآية (١) : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

وقد طوّلنا الكلام هنا فلنرجع إلى المقصود لأن هذا الكتاب لا يسع ذلك. وقد أودعنا أكثره فى كتابنا الإتقان فى علوم القرآن (٢).

(راقٍ (٣)) : صاحب رقية ، يعنى قال أهل المريض من يرقيه حتى يشفيه الله. وقيل إن الملائكة تقول : من يرقى بروحه حتى يصعد بها إلى السماء ، فالأولى من الرقية وهو أشهر ، والثانى من الرقى إلى العلو.

(تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٤)) : قيل الراجفة النفخة الأولى فى الصّور. والرادفة النّفخة الثانية ، لأنها تتبعها ، ولذلك سماها رادفة ، من قولك : ردفت الشيء إذا تبعته. وفى الحديث : أن بينهما أربعين يوما.

وقيل الراجفة الموت ، والرادفة القيامة. وقيل الراجفة الأرض ، من قولك ترجف الأرض والجبال. والرادفة السماء ، لأنها تنشقّ يومئذ.

والعامل فى يوم ترجف محذوف وهو الجواب المقدر ، تقديره لتبعثنّ يوم ترجف الراجفة ، وإن جعلنا يوم ترجف الجواب فالعامل فى يوم معنى قوله : قلوب يومئذ واجفة ، ويكون تتبعها الرادفة فى موضع الحال.

__________________

(١) النجم : ٢٩

(٢) ارجع إليه إن أردت (٢٩٢ ـ ٣١٤) من الجزء الأول.

(٣) القيامة : ٢٧

(٤) النازعات : ٧

١٣١

ويحتمل أن يكون العامل فيه تتبعها.

(رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ (١)) ، أى غلب على قلوبهم كسب الذنوب ، كما ترين الخمر على عقل السكران. والضمير راجع على من يكسب السيئات ، يطمس الله بصائرهم حتى لا يعرفون الرشد من الغىّ ؛ لأن المعاصى بريد الكفر. وفى الحديث : إنّ العبد إذا أذنب ذنبا صارت نكتة سوداء فى قلبه ، فإذا زاد ذنبا آخر زاد السّواد ، فلا يزال كذلك حتى يتغطّى ، وهو الرّين.

(رَحِيقٍ (٢)) خالص من الشراب. وقيل العتيق منه.

(رَحْمَةٌ) وردت على أوجه ، الإسلام (٣) : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ). والإيمان (٤) : (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ). والجنة (٥) : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). والمطر (٦) : (بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ.) والنعمة (٧) : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ). والرزق (٨) : (خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي). والنصر والفتح (٩) : (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً). والعافية (١٠) : (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ). والمودّة (١١) : (رَأْفَةً وَرَحْمَةً). والمغفرة (١٢) : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). والعصمة (١٣) : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ).

(رُوحٌ) : ورد على أوجه : الأمر : (وَرُوحٌ مِنْهُ). والوحى (١٤) : (يُنَزِّلُ

__________________

(١) المطففين : ١٤

(٢) المطففين : ٢٥

(٣) البقرة : ١٠٥

(٤) هود : ٢٨

(٥) آل عمران : ١٠٧

(٦) الأعراف : ٥٧

(٧) النساء : ١١٢

(٨) الإسراء : ١٠٠

(٩) الأحزاب : ١٧

(١٠) الزمر : ٣٨

(١١) الحديد : ٢٧

(١٢) الأنعام : ١٢

(١٣) هود : ٤٣

(١٤) النحل : ٢

١٣٢

الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ). [١٢٥ ا] والقرآن (١) : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا). والرحمة (٢) : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ). والحياة (٣) : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ). وجبريل (٤) : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا). ((٥) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ). وملك عظيم (٦) : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ). وجنس من الملائكة (٧) : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها). وروح البدن (٨) : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ؛ أى من علم ربى لا نعلمه نحن ولا أنتم ؛ لأنه من الأمور التى استأثر الله بها ، ولم يطلع عليها خلقه ، وكانت اليهود قد قالت لقريش : سلوه عن الروح فإن لم يجبكم فيه بشيء فهو نبى ، وذلك أنه كان عندهم فى التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمها.

وقال ابن بريدة : لقد مضى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يعرف الروح ، ولقد كثر اختلاف الناس فى النفس والروح حتى أنهوه إلى خمسمائة قول ، وليس فيها ما يعوّل عليه.

(ركبان (٩)) : جمع راكب ؛ أى صلّوا كيف ما كنتم ركوبا أو غيره ، وذلك فى صلاة المسايفة ، ولا ينقص فيها عن ركعتين فى السفر وأربع فى الحضر.

(رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (١٠)) : وصف للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن آمن معه من أصحابه. واختار ابن عطية أن يكون الوصف بالشدّة والرحمة مختصّا بالصحابة والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما أخصه بالوصف بذلك ؛ لأن الله تعالى قال فيه : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ). وقال له (١١) : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ

__________________

(١) الشورى : ٥٢

(٢) المجادلة : ٢٢

(٣) الواقعة : ٨٩

(٤) مريم : ١٧

(٥) الشعراء : ١٩٣

(٦) عم : ٣٨

(٧) القدر : ٤

(٨) الإسراء : ٨٥

(٩) البقرة : ٢٣٩

(١٠) الفتح : ٢٩

(١١) التوبة : ٧٣

١٣٣

وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ؛ فهذا هو الوصف على الكفار والرحمة بالمؤمنين. وهذه الآية كقوله (١) : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ).

(ركام) : بعضهم على بعض.

(رُفاتاً (٢)) : هو الذى بلى ، حتى صار غبارا.

ومعنى الآية إنكارهم للبعث ، واستبعادهم أن يخلقهم الله خلقا جديدا بعد فنائهم.

(رَجْماً بِالْغَيْبِ (٣)) ، أى ظنّا ، وهو مستعار من الرّجم بمعنى الرمى.

ومعنى الآية أن اليهود وغيرهم ممن تكلّم فى أصحاب الكهف اختلفوا فى عددهم كما أخبر الله تعالى فى كتابه ، وأنهم ما يعلمهم إلا قليل من الناس ، وهم من أهل الكتاب. قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل ، وكانوا سبعة وثامنهم كلبهم ؛ لأنه قال فى الثلاثة والخمسة رجما بالغيب ، ولم يقل ذلك فى سبعة وثامنهم كلبهم.

قال الزمخشري (٤) : وفائدتها التوكيد والدلالة على أن [اتصافه بها أمر ثابت مستقر ، وهذه الواو هى التى آذنت بأن](٥) الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم صدّقوا وأخبروا بحق ، بخلاف الذين قالوا ثلاثة رابعهم كلبهم ، والذين قالوا خمسة سادسهم كلبهم.

__________________

(١) المائدة : ٥٤

(٢) الإسراء : ٤٩ ، ٩٨

(٣) الكهف : ٢٢

(٤) فى الكشاف : ١ ـ ٥٩٥ فإن قلت : ما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة؟ ولم دخلت عليها دون الأولين؟ قلت : هى الواو التى تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة ... وفائدتها.

(٥) من الكشاف.

١٣٤

وقال ابن عطية : دخلت الواو فى آخر إخبار عن عددهم ، لتدلّ أن هذا نهاية ما قيل ، ولو سقطت لصح الكلام.

(روم) : اسم عجمى لهذا الجيل من الناس ، قاله الجواليقى (١) : وسمّيت باسم جدهم ، وهو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم.

(رُخاءً (٢)) : يعنى ليّنة طيبة. وقيل مطيعة له ، وحيث أصاب : أى قصد وأراد.

فإن قلت : قد وصفها فى الأنبياء أنها عاصفة (٣) ، أى شديدة بالجمع.

فالجواب : أنها كانت فى نفسها ليّنة طيّبة ، وكانت تسرع فى جريها كالعاصف ، فجمعت الوصفين. وقيل : كانت رخاء فى ذهابه وعاصفة فى رجوعه إلى وطنه ، لأن عادة المسافرين الإسراع فى الرجوع. وقيل : كانت تشتد إذا رفعت البساط وتلين إذا حملته.

ومعنى الأرض التى باركنا فيها أرض الشام ، وكانت مسكنه وموضع ملكه ، فخص فى الآية الرجوع إليها ليدلّ على الانتقال منها ، فمن يقدر على وصف هذا الملك الذى كانت الريح مركبه والإنس والجن جنوده ، والطير معينه ومحدّثه ، والوحش مسخرة ، والملائكة رسوله ، وكان له ميدان لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وكان عسكره مائة فرسخ ، وكان منزله شهرا ، وكانت الجن نسجت له بساطا من ذهب وفضة فيها اثنا عشر ألف محراب ، فى كل محراب كرسىّ من ذهب وفضة ، على كل كرسىّ عالم من علماء بنى إسرائيل ، ومع ذلك لم يشغله

__________________

(١) المعرب : ١٦٣

(٢) ص : ٣٦

(٣) الأنبياء : ٨١

١٣٥

هذا الملك عن عبادة مولاه ، ولذا قال له (١) : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

(رُجَّتِ الْأَرْضُ (٢)) : زلزلت وحرّكت تحريكا شديدا ؛ وذلك يوم القيامة.

(رجعى (٣)) : أى مرجعا ، وهذا تهديد لأبى جهل وأمثاله.

(رِباً (٤)) : هو فى اللغة الزيادة ، ومنه (٥) : (يُرْبِي الصَّدَقاتِ). واستعمل فى الشرع فى بيوعات ممنوعة أكثرها راجعة إلى الزيادة ، فإن غالب الربا فى الجاهلية قولهم للغريم أتقضي أم تربى؟ فكان الغريم يزيد فى عدد المال ويجبر الطالب عليه. ثم إن الربا على نوعين : ربا النّسيئة وربا التفاضل ؛ وكلاهما يكون فى الذهب والفضة ، وفى الطعام.

فأما النسيئة فتحرم فى بيع الذهب بالذهب ، وفى بيع الفضة بالفضة ، وفى بيع الذهب بالفضة ؛ وهو الصرف. وفى بيع الطعام بالطعام مطلقا.

وأمّا التفاضل فإنما يحرم فى بيع الجنس الواحد بجنسه من النقدين ومن الطعام.

ومذهب إمامنا أنه يحرم فى كل طعام. ومذهب مالك أنه يحرم التفاضل فى المقتات المدّخر من الطعام. ومذهب أبى حنيفة أنه يحرم فى المكيل والموزون من الطعام وغيره.

__________________

(١) ص ٣٩

(٢) الواقعة : ٤

(٣) العلق : ٨

(٤) الروم : ٣٩

(٥) البقرة : ٢٧٦

١٣٦

(رِبِّيُّونَ (١)) : جماعات كثيرة. وقيل علماء مثل ربّانيين. وذكر أبو حاتم أحمد بن حمدان اللغوى فى كتاب الزّينة أنها سريانية.

(رِيشاً (٢)) : واحده رياش ؛ وهو ما ظهر من اللباس ، مستعار من ريش الطير. والرياش أيضا : الخصب والمعاش.

(رِجْزَ) : عذاب ؛ كقوله (٣) : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ) ؛ أى العذاب ، وكانوا مهما نزل بهم أمر من الأمور المذكورة عاهدوا موسى على أن يؤمنوا به إن كشفه الله عنهم ؛ فلما كشفه عنهم نقضوا العهد ، وتمادوا على كفرهم. ورجز الشيطان لطخه وما يدعو إليه من الكفر ، وسميت الأصنام رجزا (٤) فى قوله (٥) : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ؛ لأنها سبب الرجز ؛ أى سبب العذاب. وقرئ بضم الراء وكسرها. وتبدل الزّاى سينا ومعناهما واحد ؛ كقوله تعالى (٦) : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) ؛ أى كفرا إلى كفرهم ، فيتجدّد عليهم العذاب بسبب كفرهم. وأما قوله تعالى (٧) : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) ـ فهو تعديد لنعمة أخرى ؛ وذلك أنهم عدموا الماء فى غزوة بدر قبل وصولهم إليها ـ وقيل بعد وصولهم ـ فأنزل الله لهم المطر حتى سالت الأودية ، وكان منهم من أصابته جنابة فتطهر به وتوضأ سائرهم ، وكانوا قبله ليس عندهم ماء للطّهور ولا للوضوء. وكان الشيطان قد ألقى فى نفوس بعضهم وسوسة بسبب عدمهم للماء ، فقالوا : «نحن أولياء الله وفينا رسوله» ، فكيف نبقى بلا ماء ؛ فأنزل الله المطر وأزال عنهم وسوسة الشيطان.

__________________

(١) آل عمران : ١٤٦

(٢) الأعراف : ٢٦

(٣) الأعراف : ١٣٥

(٤) فى ا : رجسا. وسيأتى بعد قليل : وتبدل الزاى سينا ومعناهما واحد.

(٥) المدثر : ٥

(٦) التوبة : ١٢٥

(٧) الأنفال : ١١

١٣٧

(رفد (١)) : يراد به العطاء ، والعون ، ومنه قوله (٢) : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) ، أى العطيّة المعطاة. ويقال : بئس (٣) عون المعان رضوا به. قد قدمنا أن الرضا من الله هو إرادة تنعيم المؤمنين وثوابهم وإيصال النفع لهم ، وسخطه إرادة العقاب لأعدائه وإضرارهم.

(رِءْياً (٤)) : بهمزة ساكنة قبل الياء. ما رأيت عليه من شارة وهيئة ، وبغير همز بمعناه أيضا. ويجوز أن يكون من الرئى ، أى منظرهم مرئىّ من النعمة. وقرئ : زيا ـ بالزاى ـ يعنى هيئة ومنظرا.

(رِكْزاً (٥)) : صوت خفىّ. والمعنى أنهم لم يبق منهم أثر. وفى ذلك تهديد لقريش.

(رِيعٍ (٦)) : المرتفع من الأرض. وقيل : الطريق ، وجمعه أرياع وريعى.

(رعاء (٧)) : جمع راع.

(رِدْءاً (٨)) بغير همز وبهمز على التسهيل من المهموز ، بمعنى معينا ، أو يكون من أرديت ، أى زدت.

(رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٩)) : قد قدمنا أنها توبيخ للقائلين مطرنا بنوء كذا ، فجعلوا شكر الرزق التكذيب.

(رِكابٍ) : إبل ، ومنه قوله تعالى (١٠) : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ).

__________________

(١) هود : ٩٩

(٢) هود : ٩٩

(٣) فى الكشاف (١ ـ ٤٥٣) : بئس العون المعان وقيل : بئس العطاء المعطى.

(٤) مريم : ٧٤

(٥) مريم : ٩٨

(٦) الشعراء : ١٢٨

(٧) القصص : ٢٣

(٨) القصص : ٣٤

(٩) الواقعة : ٨٢

(١٠) الحشر : ٦

١٣٨

(رُحم (١)) : جمع رحم ، وهو فرج المرأة ، ويستعمل أيضا فى القرابة.

(رُوَيْداً) : اسم لا يتكلم به إلا مصغّرا مأمورا به ، تصغير رود ، وهو المهل.

(رب) : حرف فى معناها ثمانية أقوال :

أحدها ـ أنها للتقليل دائما ، وعليه الأكثرون.

الثانى ـ للتكثير دائما ؛ كقوله (٢) : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) ؛ فإنهم [١٢٦ ا] يكثر منهم تمنّى ذلك. وقال الأولون : هم مشغولون بغمرات الأهوال فلا يفيقون بحيث يتمنّون ذلك إلا قليلا.

الثالث ـ أنها لهما على السواء.

الرابع ـ للتعليل غالبا والتكثير نادرا ، وهو اختيارى.

الخامس ـ عكسه.

السادس ـ لم توضع لواحد منهما ؛ بل هى حرف إثبات لا يدل على تقليل ولا تكثير ؛ وإنما يفعل ذلك من خارج.

السابع ـ للتكثير فى موضع المباهاة والافتخار. وللتقليل فيما عداه.

الثامن ـ لمبهم العدد تكون تقليلا وتكثيرا ، وتدخل عليهما فتكفّهما عن عمل الجرّ. وتدخل على الجمل ؛ والغالب حينئذ دخولها على الفعلية ـ الماضى فعلها لفظا ومعنى ، ومن دخولها على المستقبل الآية السابقة. وقيل : إنه على حدّ (٣) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ).

__________________

(١) الكهف : ٨١

(٢) الحجر : ٢

(٣) الكهف : ٩٩

١٣٩

حرف الزاى المعجمة

(زَكَرِيَّا) : كان من ذرّيّة سليمان بن داود عليهما‌السلام ، وقتل بعد قتل ولده يحيى ؛ وذلك أنه هرب من اليهود ، فقفوا أثره ، فلما دنوا منه رأى شجرة فقال لها : اكتمينى ؛ فانشقت الشجرة ، فدخل فيها ، ثم التأمت عليه فجاءوا فلم يجدوه ، فقال لهم إبليس : هو فى هذه الشجرة فأتوا بمنشار وشقّوها على نصفين ، فلما بلغ المنشار إلى أمّ رأسه صاح وتأوّه ؛ فتزلزل الملكوت فنزل عليه جبريل ، وقال : يا زكرياء ؛ إنّ الله تعالى يقول لك : لئن قلت آه مرة أخرى لأمحونّك من ديوان الأنبياء ، فعضّ زكرياء على شفتيه حتى شقّوه بنصفين.

فليتأمّل العاقل هذا التهديد والوعيد الهائل مع أنبيائه وأصفيائه ، فكيف بنا الذين عميت بصائرنا ، وأظلمت سرائرنا ، وليعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل.

قال أبو يزيد البسطامى : كنت أمشى فى البادية فرأيت أربعين شابّا من أصحاب الطريقة ماتوا عطاشا جياعا. فقلت : إلهى ؛ كم تقتل الأحباب؟ وكم تريق دم الأصحاب؟ فسمعت قائلا يقول : يا أبا يزيد ، اقتل النفس ، وأعط ديتها. فقلت : ما دية هؤلاء؟ فسمعت هاتفا يقول : دية مقتول الخلق الدنيا ، ودية مقتول الحقّ رؤية الجبّار.

وروى أن يحيى بن معاذ الرازى ناجى ربه فى ليلة. فقال : إلهى ؛ إن طلبتك أتعبتنى ، وإن هربت منك أحرقتنى ، وإن أحببتك قتلتنى ؛ فلا منك فرار ، ولا عنك قرار.

١٤٠